الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 09:02

غزة بل فلسطين أمام الخيارات الصعبة/ بقلم: د. منصور عباس

كل العرب
نُشر: 15/06/17 15:06,  حُتلن: 13:35

د. منصور عباس في مقاله:

اسرائيل لا تعمل عند السلطة الفلسطينية، وليست اداة من ادواتها لتركيع حماس في قطاع غزة، وهي اي اسرائيل تعلم ان الضغط على غزة، قد يولد انفجارا

خيار الحرب على غزة وارد، ولكن ليس خيارا إراديا مقصودا اسرائيليا على الاقل في هذه المرحلة، وانما كمنزلق وفقدان السيطرة على تطور الأحداث، وما يتبعها من حسابات سياسية في اسرائيل

اعتقد أن لحكومة اسرائيل هدف آخر من هذا التساوق مع رغبات السلطة الفلسطينية في رام الله، اذا مضت فعلا في تنفيذ قرارها

لو كان عند حماس ثقة بنظام الرئيس ابو مازن، لأقدمت على تنازلات جدية وإضافية، من اجل توحيد الصف الفلسطيني، ولكنها تدرك حتما انها ستقع تحت نعال رجالات الامن الوقائي وخلف أبواب الزنازين

السؤال ما هي خيارات السلطة في رام الله ؟ هل ترجو في إلجاء حماس لتأتي مستسلمة ام تأمل أن تنهي اسرائيل مقاومة حماس في غزة طمعا ان تسلمها حكم قطاع غزة لاحقا؟

لقد قدمت حركة حماس مؤخرا وثيقة جديدة تعد قاعدة عريضة لهذا التوافق الوطني، واستغربت كثيرا، لماذا لم ولا يتمّ التعامل معها بجدية من قبل شركاء الوطن، ماذا يُنتظر من حركة حماس؟! 

تتلكأ اسرائيل حتى الساعة في تنفيذ قرار خفض كمية الكهرباء المزوّدة لقطاع غزة، استجابة لطلب مباشر من السلطة الفلسطينية في رام الله، او كواقع حال لعدم استعداد السلطة الفلسطينية دفع فاتورة الكهرباء.

هذا الموقف الفلسطيني يضاف الى قرار آخر في السلطة الفلسطينية بخفض رواتب الموظفين في قطاع غزة بنسبة 30‎%‎، وكأن غزة وأهلها كانت تعيش في بحبوحة ووفرة في مستوى المعيشة والمدخولات، او أن الكهرباء في غزة كانت " مشعشلة " على مدار الليل والنهار وليس فقط لاربع ساعات يوميا، كما هو الحال.

إنّ ادانة الخطوة الاسرائيلية واستنكار الموقف الفلسطيني السلطوي واجب ضروري، ولكنه ليس هو مقصود الخطاب ولُب الموضوع، بل الأهم هو محاولة فهم أهداف أطراف القضية وخياراتهم وأثر ذلك على مستقبل القضية فلسطين بكليتها.

اسرائيل لا تعمل عند السلطة الفلسطينية، وليست اداة من ادواتها لتركيع حماس في قطاع غزة، وهي اي اسرائيل تعلم ان الضغط على غزة، قد يولد انفجارا، او ردة فعل تؤدي الى عدوان جديد على القطاع، فهل هذه المواجهة في أولويات حكومة اسرائيل؟ وهل هي تخطط وتسعى فعلا لاحتلال القطاع من جديد؟

خيار الحرب على غزة وارد، ولكن ليس خيارا إراديا مقصودا اسرائيليا على الاقل في هذه المرحلة، وانما كمنزلق وفقدان السيطرة على تطور الأحداث، وما يتبعها من حسابات سياسية في اسرائيل، ومن هنا اعتقد أن لحكومة اسرائيل هدف آخر من هذا التساوق مع رغبات السلطة الفلسطينية في رام الله، اذا مضت فعلا في تنفيذ قرارها.

حكومة اسرائيل تريد أن تدفع بحركة حماس الى القبول بخيار جديد عنوانه "غزة هي الدويلة الفلسطينية تحت الوصاية والرعاية الاسرائيلية ، والضفة الغربية مرشحة لتكون مناطق حكم ذاتي في أحسن الاحوال، تحت الوصاية الاردنية مدنيا، والاسرائيلية عسكريا".
يَصُب في خانة هذا الخيار العديد من التصريحات لأركان الحكومة الاسرائيلية وبعض التحركات البرلمانية في الكنيست مؤخرا .

لقد قدم توني بلير مبعوث الرباعية اقتراحات قريبة من هذا الخيار ، ولكن حركة حماس رفضتها جملة وتفصيلا، وتمسكت بخيار الوطن الفلسطيني الواحد، والشراكة الوطنية الكاملة مع حركة فتح والفصائل الفلسطينية، وقَعَّدت لهذا الخيار بإصدار وثيقة " المبادئ والسياسات العامة " لحركة حماس.

هل يمكن ان تُدفَع حركة حماس اليوم الى خيار من هذا النوع على ضوء توجهات الرئيس ابو مازن الجديدة، وأمله العريض في "صفقة" يرعاها الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وكذلك على ضوء تشديد الخناق على حركة حماس وقطاع غزة، ومن خلفهم على دولة قطر الداعمة والمساندة لقطاع غزة؟

إنّ لحركة حماس قيادة جماعية متماسكة، ترى الأحداث من زوايا متعددة، وتفحص الخيارات الصعبة بحكمة وروية، واذا اتخذت قرارها كانت حاسمة وحازمة، ولولا ذلك لكانت منذ عشرة اعوام تداس بأحذية رجال الامن الوقائي سابقا في قطاع غزة بزعامة محمد دحلان ورشيد ابو شباك وسمير مشهراوي ، ( وهؤلاء هم المتمردون لاحقا على سلطة الرئيس ابو مازن في الضفة، بهذا المعنى، ادعي ان حماس انقذت سلطة رام الله من الوقوع في قبضة رجل امريكا الاول في المنطقة كما سماه الرئيس الامريكي يومها جورج بوش )، واليوم تُدفع حركة حماس قسرا بتاثير موقف السلطة في رام الله الى اعادة التفكير في طبيعة العلاقة مع محمد دحلان ومن يقف خلفه سواء مصر او الإمارات.

لو كان عند حماس الثقة أنّ النظام الفلسطيني الرسمي يختلف جوهريا عن الانظمة العربية تجاه الإسلاميين او بالأحرى تجاه النهج الديمقراطي واحترام التعددية والحريات وحقوق الانسان والشراكة الوطنية، اقول لو كان عند حماس ثقة بنظام الرئيس ابو مازن، لأقدمت على تنازلات جدية وإضافية، من اجل توحيد الصف الفلسطيني، ولكنها تدرك حتما انها ستقع تحت نعال رجالات الامن الوقائي وخلف أبواب الزنازين، وستُحلَق اللحى كما حدث في تسعينات القرن الماضي في عهد الرئيس ياسر عرفات.

من جهة اخرى، اذا غامرت حكومة اسرائيل بحرب عدوانية على قطاع غزة فان حركة المقاومة الفلسطينية عامة لن تبخل في تقديم التضحيات والاستبسال في الدفاع عن قطاع غزة وما تبقى من الكرامة العربية والاسلامية ، وسيكتمل مشهد الْخِزْي والعار العربي الاسلامي في منطقتنا العربية، وستدفع اسرائيل ثمنا باهضا جدا، قبل ان تعلن احتلالها لقطاع غزة من جديد، هذا اذا تمكنت من دخول القطاع أصلا.

والسؤال ما هي خيارات السلطة في رام الله ؟ هل ترجو في إلجاء حماس لتأتي مستسلمة ام تأمل أن تنهي اسرائيل مقاومة حماس في غزة طمعا ان تسلمها حكم قطاع غزة لاحقا؟

الذي يتبادر للذهن ان الرئيس محمود عباس يسعى بهذه الاجراءات الى الضغط على حماس باتجاهين، محاولة اثارت الشارع الغزاوي ضد حماس وبالتالي الزام حماس بالقبول بشروط الرئيس لإنهاء الانقسام وتسليم قطاع غزة لحكومة السلطة الفلسطينية، دون ان تضمن حماس شراكة في القرار الوطني الفلسطيني من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، ودون ضمانات لطبيعة المرحلة القادمة، في ظل الحديث عن صفقات تستلزم تليين مواقف الفصائل والشعب بطريقة ناعمة او خشنة.
الاتجاه الاخر هو التعرض لخنق جديد وربما محاولة فعلية لاسقاط سلطة حماس داخل غزة بادوات مختلفة، أهمها عقد صفقة مع اسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية بابخس الاثمان.

في العام 2007 لم يتدخل الرئيس ابو مازن لِلَجْم سلوكيات الامن الوقائي برئاسة محمد دحلان في قطاع غزة فاضطرت حركة حماس لحسم الموقف في الدقيقة التسعين، قبل ان يبادر دحلان الى الانقلاب الفعلي على حكومة اسماعيل هنية، وبعدها على سلطة الرئيس ابو مازن في الضفة، كما كان متوقعا، واليوم وللاسف نقف عند نفس مفترق الطرق والخيارات السيئة ما زالت مفتوحة على مصراعيها.

لا انصح الرئيس ابو مازن ان يراهن على حكومة اسرائيل في إنهاء الانقسام، بتشديد الحصار على قطاع غزة او باسقاط حكم حماس بحرب عسكرية، فاسرائيل لها حساباتها الخاصة ، ولا انصحه كذلك بالتعويل على حرب الانظمة العربية على حركة الاخوان المسلمين فهي أصلب عودا من كل الانظمة العربية المحمية أمريكيا وروسيا، ولا انصحه بالرهان على صفقة يبرمها الرئيس الامريكي دونالد ترامب، فلا نعلم ان كان سيكمل عامه الاول رئيسا للولايات المتحدة الامريكية.

كذلك لا انصح حركة حماس ان تبحث عن خيارات اخرى كتصالح مع محمد دحلان ومن خلفه او بمباشرة مفاوضات مباشرة مع اسرائيل باستثناء ملف الأسرى والرهائن. وانما انصحها بالتمسك بوثيقتها الجديدة وتحويلها الى برنامج عمل وطني فلسطيني.

الخيار المنطقي والمسؤول والوطني والإسلامي والعروبي الوحيد هو خيار الشراكة الوطنية الفلسطينية بين فتح وحماس وجميع الفصائل الفلسطينية، وهذا هو خيار الشعب الفلسطيني، ان يتم اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وباقي المؤسسات الوطنية الوحدوية على قاعدة الوفاق والشراكة الوطنية وعلى معادلة لا غالب ولا مغلوب ، وصياغة نظام فلسطيني مدني يضمن التعددية ويحافظ على الحريات العامة ويحترم حقوق الانسان ، ويحافظ على المقاومة بكل أدواتها كرصيد وطني، يخوض به معركة التحرر والاستقلال.

لقد قدمت حركة حماس مؤخرا وثيقة جديدة تعد قاعدة عريضة لهذا التوافق الوطني، واستغربت كثيرا، لماذا لم ولا يتمّ التعامل معها بجدية من قبل شركاء الوطن، ماذا يُنتظر من حركة حماس؟! ان تنافس السلطة في رام الله على مستوى التنسيق الأمني مع اسرائيل، أم أن ترفع الراية لخيار المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات، دون اي انفتاح على خيارات اخرى.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net     

مقالات متعلقة