الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 21:01

الْعُنفُ ضَعْفٌ واللّينُ قُوَّة/ بقلم: أسماء طنوس

كل العرب
نُشر: 09/02/18 19:16,  حُتلن: 07:44

أُمُّ مَهدي توقِظُ ابْنَها في الصَّباحِ وتقولُ لهُ: قُمْ يا وَلَدي الدُّنيا الصُّبْح, حَتّى تَلحقَ وتصِلَ للمدرسةِ. فَيُجيبُها مَهدي: أُترُكيني لأنامَ, لا أُريدُ الذّهابَ للمدرسَةِ ولا أُحِبُّها. فتُجيبُهُ أُمُّهُ: ماذا تقولُ يا وَلَد! قُمْ قَبْلَ أن أُكَسِّرَ أضلاعَكَ. وسَمَّيناكَ مَهدي لكي يَهديك اللهُ, ويا ريتَ هذا الاسمُ لائقٌ عليكَ. ويُحاوِلُ مَهدي وَسْطَ الْجِدالِ أن يَهرُبَ. فتحملُ الأمُّ الْعصا بِيَدِها لِتُخيفَهُ, وتُحَمِّلُهُ الْحَقيبةَ وتَجُرُّهُ إِلى الْمدرسةِ وهُوَ يُحاوِلُ الانفلاتَ مِنها. وفي الطّريقِ كانت تَصرُخُ بهِ أحياناً وتضرِبُهُ أحياناً أُخرى, إلى أَن أَوْصَلَتْهُ إلى ساحَةِ الْمدرسةِ. وطلبتْ مِنَ الْمُعَلِّمةِ أن تَنتَبِهَ لهُ. دَخلَ الطُّلابُ إِلى الصَّفِ وجلسَ مهدي على أَعصابِهِ وهُو يُخَطِّطُ للهُروبِ.

لم يندَمِج للدَّرسِ ولا معَ الْمعلمةِ وَالطُّلابِ. ثُمَّ طلبَتِ الْمعلِّمةُ من التَّلاميذِ أن يفتحوا كُتُبَ الْحسابِ معَ الْوَظيفةِ وبَدَأَتْ تدورُ بينَ الطُّلابِ للتَّصليحِ. فسأَلتْ مَهدي أينَ وظيفتُكَ؟ وما بِكَ غاضِباً عَصَبِيّاً!؟ فأَجابَها بأنَّهُ لم يَعملْها ولا يُريدُ أن يعملَها لأنّهُ يكرَهُ الْمدرسةَ. فكانَ جوابُ الْمعلمةِ: قصاصُكَ اليومَ هُوَ حِرمانُكَ منَ الفُرْصةِ, وستبقَى في الصَّفِّ لكَي تتعَلَّمَ وترجعَ عَن عَنادِكَ. وفي السّاعَةِ الْعاشِرَةِ والنِّصفِ خَرَجَ الأولادُ وبقيَ مهدي محبوساً. فأخذَ يُفكِّرُ في الانتقامِ منَ الْمعلمةِ وَالطُّلابِ ثُمَّ الْهروبِ من الصَّفِّ. فقلَبَ الكَراسي ورَماها على الأَرضِ , ومَزَّقَ الدَّفاترَ الْموجودَةَ على طاولَةِ الْمعلمةِ وخَرَجَ هارِباً. حاوَلَتِ الْمعلمةُ الإِمساكَ بهِ ولكِنَّها لم تَستَطِعْ. وَصَل خارِجَ بَوّابَةِ الْمدرسَةِ وبَدَأَ يرمي الْحجارةَ على الطُّلابِ والْمعلمةِ وكانَ يشتِمُهُم. ثُمَّ أكملَ طريقَهُ بعيداً عن الْمدرسةِ, فَوجَدَ شجرةَ زَيتونٍ وجلسَ في ظِلِّها, وأَخْرَجَ دفاترَهُ منَ الْحقيبَةِ ومَزَّقَهُم. اتَّصَلَتِ الْمُعَلِّمَةُ بأُمِّهِ وأَخبرَتْها بِما فَعَلَ ابنُها وكَيفَ هَرَبَ. شَكَرَتِ الأُمُّ الْمعلمةَ على اهتمامِها، ثُمَّ قالتِ في داخِلِها يَعني عَمِلَها فِيَّ وهَرَبَ منَ الصَّفِّ! والأَصعبُ أَنَّهُ لم يَرجعْ إِلى الْبَيْتِ, فأينَ ذَهَبَ!؟ سيرجع الى البَيْتِ وسَيَلْقَى عِقابَهُ. وفي السّاعَةِ الثّانِيَةِ بَعدَ الظُّهْرِ رَجِعَ مهدي إلى الْبيتِ, فَتَتَلَقّاهُ أُمُّهُ بِالصُّراخِ, وتسأَلُهُ أَيْنَ كُنْتَ؟ وهَل تُفَكِّرُ أَنّني لا أعلم بكُلّ ما فعلْتَ!؟ لقد اتَّصلَتْ بي معلمتُكَ وأخبرَتْني كُلَّ شَيءٍ. ماذا فعلتَ معَها ومعَ التّلاميذِ!؟ الله يسَوِّدُ وَجْهَكَ يا قليلَ الأدَبِ, أُدخُلْ غُرفتَكَ وَادْرُسْ لِئَلا أَستعمِلَ الْعَصا وأُكَسِّرَكَ. فأجابَها: لا أُريدُ الدِّراسَةَ ولا الْعِلْمَ. مَن قالَ يجِبُ أن أَتعَلَّمَ!؟ فأجابتْهُ: وتتجَرَّأُ وتحكي ما تُريدُ!؟ أُدْخُل أمامي على الْحَمّامِ, ودَفَعَتْهُ وأقفَلَتْ عليهِ. وقالتْ: خلّيك جُوّا بِلا أكْلٍ ولا شُرْبٍ. فَازدادَ مهدي غضباً وعصبيَّةً وبَدَأَ يرمي كُلَّ شيءٍ في الْحَمامِ على الأرضِ. وأَخَذَ يُخَبِّطُ ويضرِبُ على الْبابِ حتّى أَزعَج الكُلَّ. نادَتِ الأُمُّ أَخاهُ الكبيرَ ليفتحَ البابَ ويَمْسِكَهُ لِكَي تُكَتِّفَهُ. وعندَما فَتَحَ عليهِ الْبابَ لم يَسْتَطِع الإِمساكَ بهِ, فدخلَ رأساً المطبخَ وأَخذَ سِكّينا وهَدَّدَ أَخاهُ حَتّى هربَ من أمامِهِ ودَخَلَ الْغُرْفَةَ وفتَحَ خِزانَةِ أُمِّهِ, وأَخرَجَ ثلاثَةَ فساتينَ ومَزّقَها بِالسِّكّينِ, ثُمَّ مَزّقَ بنطلونَ وقميصَ أَخيهِ وهَرَب من الْبيت مُسرعاً. ولم يستطيعوا الاقترابَ مِنهُ بسببِ السِّكينِ الْموجودةِ معَهُ. ثُمَّ وَصَلَ لى محطةِ الْبنزينِ وجلسَ لِيرتاحَ وهوَ يشعُرُ بالْجوعِ الشّديدِ. فطلَبَ من صاحبِ الْمحطّةِ أن يشتغِلَ في مَسْحِ زُجاجِ السّياراتِ ليَتَمَكَّنَ من شِراءِ شيء ليأكُلَهُ ويَسُدَّ جوعَهُ. فَوافقَ صاحبُ الْمحطةِ في تشغيلِهِ وكانَ هُناكَ شابٌّ غَيْرُهُ يعمَلُ أيضاً في تنظيفِ السّياراتِ. فاختلَفَ مهدي معهُ لأنَهُ يُريدُ مَسْحَ زُجاجِ السَّياراتِ كُلِّها. فَتَشاجَرا حَتّى أَخرَجَ مهدي السِّكّينَ من جَيْبِهِ وجَرَحَ بِها الشَّابَّ وهَرَبَ. طبعاً لم يستطِعِ الرُّجوعَ إِلى الْبيتِ, فَاختبأَ عندَ خالِهِ بَعْدَ أن قَصَّ عليهِ حكايتَهُ مِن أَوَّلِها لآخِرِها. ولكنَّ الخالَ أعطاهُ الأَمانَ واستقبَلَهُ في بَيتِهِ. وبَدَأ يَهدي عليهِ بكلماتٍ لطيفةٍ, يا حبيبي ويا روحي وأَنتَ مِثلَ ابني وسَأَكونُ مسؤولاً عنكَ, لا تَخَف, البيتُ بَيتُكَ, وأنتَ في أَمانٍ. شعَرَ مهدي بالْحنانِ وقالَ لخالِهِ: أَوَّلُ مَرَّةٍ أَسْمَعُ كَلمةَ حبيبي وروحي ولَمْ أَسمعْها من قَبْل, لِذلِك لنْ أَرجعَ الى البيْتِ وسأعيشُ عندَك.
لم تعرفْ والدَةُ مهدي عن وُجودِ ابْنِها. فَتَتَّصِلُ بالشُّرْطيِّ وأعطتْهُ اسمَهُ وأَوْصافَهُ. فأجابَها الشُّرطيُّ: هُوَ ذا ابنُكِ!؟ وأَنا أُفتِّشُ عليهِ أيضاً. أَلَمْ تعرفي ماذا فَعَلَ!؟ فأجابتْهُ أَنّها لا تعرفُ أَيْنَ هُوَ. وكُلُّ الّذي تَعرفُهُ أَنَّهُ هَرَبَ من الْبيتِ. فَقَصَّ عليها الشُّرطيُّ كَيفَ تشاجَرَ مع عامِلٍ في الْمحطةِ وضربَهُ بالسِّكينِ وهربَ. وصاحبُ محطةِ البنزينِ هُوَ الّذي أَخبَرَهُ. وعندَها تَتَّصِلُ الأُمُّ بِأَخيها- خالُ مهدي, وتطلُبُ منهُ الْمُساعدَةَ لِلتّفتيشِ على ابنِها مَهدي. فَتَتَفاجَأُ الأُمُّ عندَما أَبْلَغَها بأَنَّ ابنَها مُختَبِيءٌ عندَهُ خَوْفاً منَ الشُّرطِيِّ ومن أَهلِهِ. ثُمَّ وَصَلَ الشُّرْطيُّ لِبَيْتِ أُمُّ مَهدي لِيُحَقِّقَ معَها عن سببِ هُروب ابنِها وكيفَ كانت تُعامِلُهُ ولماذا وَصَلَ إلى محطةِ الْبنزينِ لِيَشْتَغِلَ. وكُلُّ هذهِ الأَسئلةِ لِيَعرِفَ سُلوكَهُ. فَصَرَّحَتِ الأُمُّ بأَنَّهُ وَلَدٌ شَقِيٌّ عَصَبِيُّ الْمِزاجِ. وكانَ يَهرُبُ من الْمدرسةِ, وكانَ يُمَزِّقُ كُلَّ ما يَجِدُهُ من دفاترِ الطُّلابِ إِلى فساتينِها. وعندَما اضْطَرَّتْ لِضرْبِهِ هَرَبَ من الْبيتِ. وبأَنّها لم تكُن تعرِفُ مكانَ وُجودِهِ. فأجابَها الشُّرطيُّ: أَنتِ وابنُكِ محكومانِ بِالتوقيفِ في المَركِزِ. أنتِ لأَنَّكِ سببُ هُروبِهِ, وهُوَ لأنّهُ ضَرَبَ وجرَحَ عامِلَ التَّنظيفِ. قومي مِن فضلِكِ لِبيتِ خالِ مهدي لآخُذَهُ لِمركزِ الشُّرطةِ. وعندما وصلا لبيْتِ أخيها دَقَّ الْبابَ وفتحَ لَهُ الْخالُ, وتَفاجأَ بِما رَآهُ وطلَبَ الشُّرْطيُّ مِنهُ أن يُسَلِّمَهُ الْولدَ مهدي لِيأخذَهُ وأُمَّهُ إلى الْمَركِزِ. لكِنَّ الْخالَ تدَخَلَّ في حَلِّ المشكلَةِ وتعَهَّدَ بكفالَتِهِ وتربيتِهِ أَيضاً. وأنَّهُ سَيُبْقيهِ عندَهُ ليعيشَ معهُ ليكونَ تحتَ الْمُراقبةِ. وَسَيُصَلِّحَ سُلوكَهُ ويُعَلِّمَهُ الى أن يكبُرَ ويتزَوَّجَ, وأَنَّهُ المسؤولُ عن زواجِهِ. ثُمَّ أَمَرَ الشُّرْطيُّ الْوالدَه لكي تلحقَهُ الى الْمركزِ للتَّوقيفِ. فأخذَتْ تبكي وتتطلبُ منهُ الْعَفْوَ لأنها لا تستطيعُ تَرْكَ الْبَيتِ والأوْلادِ. فتدَخَّلَ الْخالُ (أخوها) وكَفِلَها أَيضاً وتَعَهَّدَ للشّرطيِّ بأَنَّهُ سَيُغَيِّر سلوكَها. فاقْتَنَعَ الشُّرْطيُّ وأفرَجَ عنها. فشكرَتْهُ وشكرتْ أخاها الَّذي ساعَدَها وأَنقَذَها.

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة