الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 23:02

رسالة موجزة للشّباب العرب: السياسة لماذا؟/ جريس بولس

جريس بولس
نُشر: 23/03/18 14:00,  حُتلن: 17:47

المحامي جريس بولس: 

الحقيقة هي لو كنّا نحن العرب الذين نصنع السيارة والطائرة والهاتف النقّال وغيرها ونطورها لكانت البيئة الاجتماعيّة والثقافيّة والفرص الاقتصاديّة مختلفة بالضرورة

السياسة اذن هي الأمر العام، أي القاسم المشترك بين كل أمورنا الخاصّة كمواطنين.... والعمل السياسي اذن يتعلق بكل ما يخص الشأن العام، أي ما يخصّنا ويمسّنا جميعاً في وقت معاً

إذا كنت ممن يشعر أنّ فلسطين والعراق والجولان والباقورة الأردنيّة ومزارع شبعا وباقي الأراضي المحتلّة العربيّة تقع كلّها على كوكب الزهرة، وإذا كنت في الآن عينه ممن يودّون متابعة تفاصيل أخبار آخر سيارة أمريكيّة حديثة أو مباراة كرة قدم في الصين أو فضيحة في حياة أحد الممثلين أو المغنيين أو مسابقة غنائية أو آخر صرعة في عالم الأزياء عبر الأقمار الصناعيّة أو تقليعة في عالم الهاتف النقّال والأجهزة الإلكترونيّة، وإذا كنت ممن يؤمن أن النضال ضد الظلم والاستبداد ومن أجل وحدة الأمّة العربيّة مجرد تفاهات وخيالات لا فائدة منها ولا طائل، وإذا كنت ممن يفكر أن الشيء المهم هو أن يمشي الإنسان على الهامش لكي يؤمّن حاجاته بأيّة طريقة ممكنة وأن يسعى الإنسان في حياته كفيديو كليب دونما حاجة للتفكير بما يوجع الرأس ويؤدي للمشاكل، فيا ريت لو تعطيان لنفسكما دقيقة أو دقيقتين من وقتكما يا أختي ويا أخي، إذا كنتما من هذه الفرقة الآخذة في الازدياد عدداً في الوطن العربيّ الكبير، لأمر جليّ لكما ومهم، بعده تفعلان ما تشاءان.
هل مَرَّة أمعنتَ في التفكير: لماذا يحصد من يقوم بحمل نفس مؤهّلاتك في الولايات المتحدة كمثل عشرة أضعاف راتبك على الأقل بعد أن يتخرّج من دراسته، هذا إذا وجدت عملاً أصلاً!! وفكّر أيضاً، لماذا يأتينا كمّ هائل من الاختراعات والابتكارات التكنولوجية والصناعيّة والمنتجات الثقافيّة والترفيهيّة الجديدة، التي يصبح استعمالنا لها واستهلاكنا لها ضرورة اجتماعيّة كي لا نبقى أقل شأناً من غيرنا، من حفنة معلومة من الشركات الدوليّة والدول الكبرى، وهل فكّرت مرّة لماذا تبحث عن الحلول للمشاكل خارج بيئتك ووطنك، سواء عن طريق العمل في الخارج أو بالهجرة أو في عالم من نسج خيالك وخيال اصدقائك؟

الحقيقة هي لو كنّا نحن العرب الذين نصنع السيارة والطائرة والهاتف النقّال وغيرها ونطورها لكانت البيئة الاجتماعيّة والثقافيّة والفرص الاقتصاديّة مختلفة بالضرورة.... ولكن ما يجب أن تفهمه هو أن الشعوب التي تمتلك وحدتها وحريّتها هي التي تجد أفضل وأحسن الفرص للمواطن ليحقّق نفسه فيها... فلبّ المشكلة بالأساس ليست الفروق الفرديّة بين المواطن في اليابان أو في أوروبا الغربيّة مثلاً وبين المواطن العربيّ، أو مشكلة وضعك أنت بالذات... وهذا يعني أن زيداً أو محمّداً أو جريس أو عائشة ربما يجدون الحلول لمشاكلهم الفرديّة بشكل معين أو بآخر، ولكن من أين للباقي من اخواتهم واخوانهم أن يصلوا الى مثل هذه الحلول؟!

واذا ضربنا مثلاً على سبيل المثال لا الحصر هو الولايات المتحدة الامريكيّة فسوف نلقى انها قدمت ست مائة ألف قتيل في القرن التاسع عشر لكي تحمي نفسها وتمنع تفككها إلى دويلات، وهو أبهظ ثمن ضحّت به الولايات المتحدة في أي حرب قد دخلتها في تاريخها... فهل تفكّرون انها كانت ممكن أن تكون قوة عظمى كما هي اليوم لو قَبِل مواطنوها أن يجلسوا أو يهاجروا وبلادهم تتفتّق وتقسّم، أو لو بقيت ترزح تحت احتلال بريطانيا قبلها؟! (ونأتي بهذا الامر على أمريكا من دون أن ننسى الطريقة التي نشأت فيها كجسم احتلاليّ استيطانيّ قام على استعباد الناس ونهب الأرض).
إذن الأمم المتطوّرة والفاعلة والمجتمعات الراقية لم توجد أو تولد هكذا، ولم تجلب نوعاً من شروط التوازن لسكانها وهم منغمسون في البحث عن حلول فرديّة لهم ولعائلاتهم أو عن هرب من واقعهم في عالم خاص او افتراضيّ... بل أصبح لتلك الأمم المتطورة والمجتمعات المتقدّمة، بالرغم من كل التناقضات والأمور الناقصة التي تلتصق بها، آلية قابلة للتطور الذاتي وللحياة، لأن سكانها وَعوْا الحاجة للقيام بعمل منظم ومدروس عن طريقه يقومون بمعالجة مشاكلهم العامّة، أي فهموا ووعوْا الحاجة للقيام بالعمل السياسيّ بكلّ ألوانه دون ان يستأذنوا أحداً.... ونحن العرب نبحث بالمقابل عن حلول قطريّة أو فرديّة لمشاكلنا العربية العامّة... أزمتنا إذن هي اننا نعاني من وهن الإرادة الجمعيّة أو الجماعيّة والوعي العام، وانتشار الوعي المزيّف عند قطاع واسع من أصحاب المشكلة، ولذلك نحصد الفشل كأفراد وكمجتمعات في حل أزماتنا ومشاكلنا بصورة جوهريّة جذريّة... فهل وصل المغزى؟!

السياسة اذن هي الأمر العام، أي القاسم المشترك بين كل أمورنا الخاصّة كمواطنين.... والعمل السياسي اذن يتعلق بكل ما يخص الشأن العام، أي ما يخصّنا ويمسّنا جميعاً في وقت معاً... وترك العمل السياسيّ يعني بالشكل المبسّط تعليق أمرنا على مشنقة الصدفة في أفضل الأحوال، أو لمن قد لا يهمه من بعيد أو قريب... والأمر هذا معناه هدر حقوقنا ومنعنا من أن نحقق ذواتنا كأفراد، في العالم الأكبر، لأننا نمنع من تحقيق ذواتنا كأمّة وكأمّة عربيّة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

 

مقالات متعلقة