الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 06:02

معا نتصدى لتهديد الإنجازات الجماعية لفلسطينيي الداخل/ بقلم: د. امطانس شحادة

كل العرب
نُشر: 13/10/16 13:22,  حُتلن: 08:56

د. امطانس شحادة في مقاله:

الحكومة الإسرائيلية الحالية المشبعة بالفكر الصهيوني اليميني الديني، تعمل على إعادة عقارب الزمن إلى الخلف وترمي لنهب ما تحقق من مكتسبات سياسية واقتصادية للعرب في الداخل

لينا كمجتمع وحركات سياسية ومؤسسات جماعية أن ندرك أن بالإمكان التصدي وإفشال المخططات الإسرائيلية والهجمة الفاشية وسياسات التدجين والاحتواء التي تسعى الحكومة إلى فرضها

تتعزز القناعة في السنوات الأخيرة، بحصول تحولات جدية في السياسات الإسرائيلية تجاه المجتمع العربي في الداخل، وأننا في خضم الانتقال إلى مرحلة جديدة، تتجلى ملامحها الأساسية بازدياد عنصرية الدولة تجاه العرب، تقييد الحريات وربط الحقوق بالموقف السياسي، محاولة قمع المطالب القومية الجماعية، وقوننة القمع السياسي الجماعي والفردي للمواطنين العرب، وتجريم العمل السياسي النضالي والانتماء الوطني لفلسطينيي الداخل، مقابل تقديم فتات اقتصادي للمجتمع العربي. كل هذه يحدث بواسطة استعمال أدوات ديموقراطية شكلية تتيح طغيان الأكثرية والتحول المتسارع إلى نظام فاشي ديني.


هذه التحولات لم تأت من فراغ ولا بشكل مفاجئ، ولها علاقة بتحولات فكرية أيديولوجية وديموغرافية داخل المجتمع الإسرائيلي من جهة، وبتغيرات في أساليب العمل السياسي النضالي، وبتزايد الوعي والانتماء القومي لدى الفلسطينيين في الداخل ورفضنا للهيمنة الصهيونية على حساب أبناء شعبنا، من جهة أخرى. فمنذ تسعينيات القرن المنصرم -وبعد نضال عنيد مع مؤسسات الدولة منذ خمسينيات القرن المنصرم تمحور حول المساواة وإنهاء الاحتلال دون طرح بديل للنظام الصهيوني الكولونيالي القائم- بدأ العرب في الداخل بطرح بدائل ديموقراطية حقيقية للنظام وتقديم تعريف إيجابي للمساواة الجماعية ورفع سقف مطلب الحقوق الجماعية، الأمر الذي اعتبرته المؤسسة الإسرائيلية، وبحق، فشلا لسياسات أسرلة الوعي الجماعي وتدجين المطالب السياسية للفلسطينيين في الداخل، خاصة بعد هبة أكتوبر 2000 وتداخل النضال الشعبي الجماهيري بين شطري الخط الأخضر. بات واضحا للمؤسسة الإسرائيلية أن هناك مسألة "العرب في إسرائيل" وأنها تحتاج إلى حلول، من منظور إسرائيلي.

هذا التحول السياسي لدى الفلسطينيين، والتغير في أساليب النضال السياسي الجماعي أثمرا فيما أثمرا، بشكل مباشر أو غير مباشر، بتغيير إيجابي في بعض المشاكل المعيشية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المجتمع العربي، دون حلها بشكل دائم أو استئصالها. ناهيك عن الإنجازات السياسية الجماعية المهمة التي أنجزناها كمجتمع وأحزاب سياسية، على رأسها تراجع التصويت للأحزاب الصهيونية، ارتفاع التمثيل البرلماني للأحزاب العربية كما ونوعا، وتوسيع العمل الأهلي، وتنامي مكانة ودور لجنة المتابعة، وصولا إلى إقامة القائمة المشتركة. إذ باتت الأحزاب العربية ولجنة المتابعة والقائمة المشتركة لاعبا سياسيا مؤثرا وأساسيا على الساحة المحلية خصوصا والفلسطينية عموما.

نتيجة لكل هذه التحولات، نرى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، المشبعة بالفكر الصهيوني اليميني الديني، تعمل على إعادة عقارب الزمن إلى الخلف وترمي لنهب ما تحقق من مكتسبات سياسية واقتصادية للعرب في الداخل، حتى ولو كانت متواضعة وغير كافية أو مكتملة، عن طريق فرض سياسات وسنّ قوانين تربط بين الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بالموقف السياسي للسكان العرب. على سبيل المثال لا الحصر، أن تشترط التطوير الاقتصادي للبلدات العربية بتقديم تنازلات سياسية من العرب، وخضوع السقف السياسي العربي لقواعد اللعبة الإسرائيلية وللرواية الصهيونية! تريد أن تربط الحق في التعليم العالي بالخدمة المدنية، وأن تربط بين رفع مشاركة النساء العربيات في أسواق العمل بالتنازل عن الحقوق الاقتصادية الجماعية، وتريد أن تربط كل هذا بالمواقف السياسية للقائمة المشتركة. فجميعنا تابعنا ردة الفعل الهستيرية على عدم مشاركة نواب القائمة المشتركة بجنازة "الرمز الوطني الصهيوني" شمعون بيرس. هذه المواقف غير مقبولة على المؤسسة الإسرائيلية لأنها تنم عن انتمائنا إلى شعبنا وروايتنا التاريخية، وحقنا الأساسي في التعبير عن الرأي وحرية التصرف السياسي. والأهم أننا لم نرضخ ولم نهب التهديد الإسرائيلي، المباشر أو المبطن، وها هي المؤسسة الإسرائيلية تزيد من جرعات الملاحقة السياسية وتجريم العمل السياسي النضالي للعرب في الداخل، كونها ترغب في إضعاف العمل السياسي المتحدي، ولأنها تريد عملا سياسيا تحت سقف هيمنة الفكر والرواية الصهيونية، أو على الأقل ترويض النضال السياسي والتراجع عن الدور التاريخي للقائمة المشتركة.

هنا تبرز أهمية أسلوب وأدوات تعاطي المجتمع العربي والأحزاب العربية والقائمة المشتركة والمؤسسات الجمعية كلجنة المتابعة واللجنة القطرية، في مواجهة هذه التحولات والتحديات، والوعي بخطورة المرحلة. فالمستهدف الرئيسي في هذه السياسات هو المجتمع العربي والوعي السياسي العربي والإنجازات السياسية والمدنية للمجتمع العربي. علينا كمجتمع وحركات سياسية ومؤسسات جماعية أن ندرك أن بالإمكان التصدي وإفشال المخططات الإسرائيلية والهجمة الفاشية وسياسات التدجين والاحتواء التي تسعى الحكومة إلى فرضها. تحقيق ذلك يتطلب وعيا جماعيا واضحا للأهداف السلطوية وتحصين المناعة السياسية والوحدة الوطنية لدى المجتمع العربي، ومثلما أفشلنا في السنوات الأخيرة المخططات لتوسيع الخدمة المدنية وتصدينا لترويجها، وكما أفشلنا مخطط برافر، ومنعنا عودة الأحزاب الصهيونية إلى بلداتنا العربية، ومنعنا برامج تجنيد العرب المسيحيين، ووقفنا ضد أي حلول سياسية تقترحها إسرائيل على منظمة التحرير الفلسطينية ولا تتجاوب مع الحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني، ورفضنا الخضوع لمطلب الاعتراف بيهودية الدولة، يمكننا أن ننجح أيضا في كسر السياسات الإسرائيلية الحالية المجحفة والمعادية للعرب.

أحد العوامل التي تساهم في ذلك هي البدء بحوار سياسي حقيقي بين كافة التيارات السياسية الفاعلة على الساحة العربية لمناقشة ووضع تصور أولي لمشروع سياسي جامع متفق عليه بالحد الأدنى لكافة المشارب السياسية العربية –الممثلة وغير الممثلة في الكنيست- ينتج عنه تصور للمطالب الجماعية للمجتمع العربي، وهي بمثابة تطوير واستمرارية للتصورات المستقبلية التى طرحت قبل عقد من الزمان، يعرض على المؤسسة الاسرائيلية. هذا التصور يكون بوصلة للعمل السياسي الجماعي، ويؤطر عمل القائمة المشتركة ولجنة المتابعة ويوضح تقاسم الأدوار بينهم. على أن يشمل هذا التصور الجوانب السياسية القومية، والمكانة القانونية والمدنية للفلسطينيين في الداخل وكافة الجوانب المعيشية اليومية والاقتصادية. هذا سيربك ويزعج إسرائيل ويمكن أن يساهم في إفشال سياستها العدائية تجاه العرب في الداخل. أدوات النضال السياسي التقليدية لم تعد كافية في هذه المرحلة. وكلي ثقة أن مجتمعنا وتياراته السياسية ستعي خطورة المرحلة وتتصرف وفقا لذلك.
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة