الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 15:02

قصّه أنا طالِع على الصَّفِّ الأوَّل/ بقلم: اسماء طنوس

اسماء طنوس
نُشر: 10/07/19 11:32,  حُتلن: 18:13

جوجو (جوزيف) طِفلٌ عُمرُهُ خَمْسُ سَنَواتٍ، وقد أنهى تَعليمَهُ في صَفِّ البُستانِ، وخَرَجَ للعُطلَةِ الصَّيْفِيّةِ شَهْرَي تَمّوز وآب. وفي عُطلَةِ الصَّيْفِ، ذَهَبَ جوجو معَ والِدَيْهِ إلى المَكتبةِ لِشِراءِ اللّوازِمِ المدرسِيّةِ. إشترى الحَقيبَةَ والكُتُبَ، التّجاليدَ والدّفاتِرَ، الأقلامَ وعُلبَةَ الألوانِ. فَرِحَ جوجو جِدّاً بِأغراضِهِ الجديدةِ، وشعرَ بِسعادةٍ غامِرَةٍ وثِقَةٍ كبيرَةٍ وبِاهتِمامِ الأهْلِ بِهِ.

وكانت الأُمُّ تَحضُنُهُ كُلَّ يَوْمٍ وتُقَبِّلُهُ وتُبارِكُ لَهُ بالصّفِّ الْجديدِ والكُتُبِ الجديدةِ وتقولُ لَهُ: يا حبيبي، لَقد كَبُرْتَ سَنَةً يا ابني وأصبَحْتَ في الصَّفِّ الأوَّلِ، إنّها فَرحةٌ كبيرةٌ لي ولَكَ وللعائلةِ، لَقد كَبُرْتَ سَنَــةً يا جــوجــو وكَبُرَ جِسمُكَ وعَقلُكَ وزادَ طولُكَ، يا فَرحتي فيكَ! كم انتَظَرْتُ لِأراكَ في الصّفِّ الأوّلِ، وأنتَ أيْضاً سَتَشعُرُ بِمُتْعَةٍ كَبيرَةٍ، لِأنّكَ سَتَعرِفُ القِراءَةَ والكِتابَةَ والحِسابَ، وهُنــاكَ دُروسُ الرَّسْــمِ والموسيــقى والرِّياضَةِ أيْضاً. وكُلُّ إنسانٍ يكونُ طِفلاً أوّلاً ثًمَّ يدخُلُ البُستانَ ثُمَّ الأوّلَ، وكُلّما أكمَلَ صَفّاً يَكونُ قد كَبُرَ سَنَةً حَتّى يُكمِلَ تَعليمَهُ الإبتِدائي والثّانوي ثُمَّ الجامِعَه. اللّهُ مَعَكَ يا ابني وبالنّجاحِ والتّوفيقِ يا رَب. وفي الأوّلِ من أيلول، فَتَحَتِ المدارِسُ أبوابَها لِتَبْدَأَ السَّنَةُ الدِّراسِيّةُ الْجَديدةُ.

وفي صباحِ الْيَوْمِ الأوّلِ قامَت أُمُّ جوجو لِتوقِظَ إبْنَها وهِيَ تُقَبِّلُهُ وتُلاطِفُهُ قائلَةً: جوجو يا حبيبي، ياللّا إنهَض يا ابني، فَهذا الْيَوْم
هُوَ أحلى يَوْمٍ في حياتِكَ! الْيَوْمَ أنتَ صِرْتَ في الصّفِّ الأوّلِ، هَل نَسيتَ!؟ لكِنَّ الطّفْلَ جوجو إنزَعَجَ قائلاً: أُتْرُكيني أرجوكِ! أُريدُ النَّوْمَ ساعَةً أُخرى.

تُجيبُ الأُمُّ: يَجِبُ أن تَنْهَضَ يا ابني، لِتَغْسِلَ وَجْهَكَ وتتناوَلَ فَطورَكَ، تَلْبَسَ ثِيابَكَ وتُمَشِّطَ شَعْرَكَ ثُمَّ تَحْمِلَ حَقيبَتَكَ لِتَصِلَ إلى المدرسَةِ قَبْلَ السّاعةِ الثّامِنةِ. لا تَخَفْ، سَأُرافِقُكَ إلى المدرسةِ، كُنْ مُطْمَئنّاً. رَدَّ جوجو قائلاً: لا أريدُ الذّهابَ إلى المدرسةِ! فَأنا لا أُحِبُّها، وسأبقى مَعَكِ في البَيْتِ في حِضنِكِ أنا أكْرَهُ المدرسةَ، لا أُحِبُّ أحَداً لا المعلّمه ولا الأوْلادَ، أنا أُحِبُّكِ لِوَحْدِكِ.
بَدَأت الأُمُّ تُقنِعُ إبْنَها وهِيَ تَقولُ لَهُ: سَتُحِبُّها يا ابني وتُحِبُّ طُلّاَبَها ومُعَلّميها ومُعلّماتِها وستَرى أنّ المدرسةَ جميلَةٌ.

إقتَنَعَ جوجوبِكلامِ والِدَتِهِ، فَقامَ وغَسَلَ وَجْهَهُ، تَناوَلَ فَطورَهُ، لَبِسَ ثِيابَهُ وذهبَ معَ والِدَتِهِ إلى المدرسةِ. قُرِعَ الْجَرَسُ، فَاصْطَفَّ الطُّلّابُ صُفوفاً في السّاحةِ ثُمَّ دَخَلَوا غُرَفَهُم، ودخلَ طُلّابُ الصّفِّ الأوّلِ مَعَ المعلّمةِ إلى غُرفَةِ صَفِّهِم، وجلسوا على مَقاعِدِهم كُلُّ إثنَيْن على مقعدٍ واحِدٍ. جلست أُمُّ جوجو قليلاً، ثُمَّ قامت وقَبَّلَتْ إبْنَها وطلبتْ مِن المُعلّمةِ الإنتِباهَ لَهُ. بدأتِ المُعلّمةُ الحديثَ مَعَ الأطفالِ وإرسالَ الْبَسمةِ لِكُلِّ واحِدٍ لِتُعَبِّرَ عن مَحَبَّتِها لَهُم ولِتَزرَعَ فيهُم الثِّقَةَ. أمّا الأطفالُ فَما زالوا يشعُرونَ أنَّهُم في الْبُستانِ أحرارٌ غَيْرُ مُقَيّدينَ، فَلَم يَقدِروا على الإنضِباطِ والتّركيزِ والجُلوسِ لِساعاتٍ على الْكراسي. وفَجأةً قامَ طفلٌ من مكانِه وبَدأ يَمشي في الصَّفِّ ويتنقّلُ بَيْنَ الأوْلادِ، وآخَرُ يخرُجُ مِن الصَّفِّ بِدونِ إذنِ. نَظَرَتِ المعلّمةُ إلى الطّالبِ الّذي قامَ نَظْرَةَ تَحذيرٍ، وطلَبَت مِنهُ الجُلوسَ مَكانَهُ. شاهدَ جوجو نَظَراتِ المعلّمةِ فَخافَ مِنها، وفَقَدَ الثِّقَةَ بِها، وكَرِهَ المدرسةَ والجُلوسَ في الصَّفِّ. وعِندَ انتِهاءِ الدّوامِ، جاءَتْ أُمُّ جوجووأخذتْ إبنَها إلى البَيْتِ. أمّا جوجو فكانَ غاضِباً جِدّاً، وما أن وَصَلَ إلى الْبَيْتِ حَتّى رمى الحقيبةَ وقالَ: سَوْفَ لا أذهبُ بَعدَ الْيَوْمِ إلى الْمدرسةِ يا أُمّي! الْبَيْتُ أحسَنُ بِكثيرٍ.

في الْبَيْتِ أنا حُرٌّ، أتَحَرّكُ، أمشي، أقعُدُ أخرُجُ أدخُلُ وأعمَلُ كُلَّ ما أُريدُ، يَكفي أنّني أجِدُ الْمَحَبّةَ والْحنانَ عِندَكِ، تَحضُنينَي وتُقَبّلينَني. أمّا الْمدرسة فَهِيَ سِجْنٌ لي، والمُعلّمةُ كَأنّها شُرْطِيَّةٌ تُخيفُ الأوْلادَ، وتَمنَعُهُم مِنَ التَّحَرُّكِ والتَّنَقُّلِ والْمَشْيِ والْكلامِ، وهذا الشّيْءُ يَخنُقُني ويَضغطُني ويُحزِنُني. لِذلكَ أحسَسْتُ أنّي سَأنفَجِرُفي الْبُكاءِ. فقالتِ الأُمُّ: يا ابني، صَفُّ الْبُستانِ يَخْتَلِفُ عَنِ الصَّفِّ الأوّلِ. في الْبُستانِ كُنتَ تجلِسُ على الْكُرسي وأمامَكَ طاوِلةُ الْألعابِ، تلعبُ وتتحدّثُ معَ جارِكَ تتحرّكُ تقومُ، أ مّا الآنَ في الصّفِّ الأوّلِ، أنتَ تجلِسُ على كُرسِيٍّ وأمامَكَ مَقعَدٌ للكِتابَةِ، ويَجِبُ الْمُحافَظةَ على النِّظامِ والْهُدوءِ لِتَسْمعَ شَرْحَ الْمُعلّمةِ، وعلَيْكَ أن لا تتنقّلَ مِن مكانٍ إلى آخرَ، ولا تَخرُجَ مِنَ الصَّفِّ إلّا بِإذنٍ مِنَ الْمعلّمةِ. ولكن جوجو لَم يَقتنِعْ بِهذِهِ الشُّروطِ. وفي الْيَوْمِ التّالي رَفَضَ الذِّهابَ إلى الْمدرسةِ، وبَقِيَ في الْبَيْتِ يبكي ويصرُخُ لِأُمِّهِ: أرجوكِ، لا تَضغطي عَلَيَّ، لا أريدُ الْمدرسةَ فأنا أكرَهُها وأكرَهُ الْمُعلّمةَ!

مَن خَلَقَ الْمدرسةَ، ومَن بَناها ولماذا!؟إتَّصَلَتِ الْمُعلّمةُ بِوالدة جوجو لِتَسْأَلَها عَن سَبَبِ غِيابِ إبنِها، فَأخْبَرَتها الأُمُّ أنَّ إبنَها خائفٌ مِنَ الْمدرَسَةِ ومِنَ الْمعلّمةِ أيْضاً. قرَّرَتِ الْمعلّمةُ أن تَذهبَ لِزِيارتِهِ في بَيْتِهِ بَعْدَ الدّوامِ. ذهبتِ المُعلّمةُ إلى الْحانوتِ واشترتْ لَهُ هَدِيّةً جميلةً، ثُمَّ ذهبت لِزِيارتِهِ في بَيْتِهِ. وعندما دخلتِ الْبَيْتَ سَلّمَتْ علَيْهِ وقَبَّلَتْهُ وأعطتهُ الْهدِيّةَ قائلةً: أنا أُحِبُّكَ يا جوجو أُحِبُّكَ جِدّاً، وكُلُّ الطُّلّابِ سألوا عَنْكَ، لم يكُن نَهارُنا جميلاً بِسَبَبِ غِيابِكَ، أرجو أن أراكَ غَداً يا جوجو.
شَكرت الوالِدةُ الْمعلّمةَ ووعَدتْها أن لا يتَغَيّبَ إبنُها بَعْد.

جلستِ الْأُمُّ تُفَكِّرُ بِطريقةٍ لِتُقَوّيَ الْعلاقةَ بَيْنَ إبنِها والْمعلّمةِ، فذهبتْ إلى الْحانوتِ واشْتَرَتْ هدِيّةً لِإبنِها وهدِيّةً ثانِيَةً للمعلّمةِ كتبتْ علَيْها: داخِلَ قلبٍ مُلصَقٍ علَيْها – إلى معلمتي الحبيبه - واشترتْ لَهُ كيساً مِنَ الْحُلوَياتِ لِطُلّابِ الصّفِّ.
وفي الْيَوْمِ التّالي ذهبَ جوجو معَ والدتِهِ إلى الْمدرسةِ ومعهُ الْهدايا. وعندما دخَلَ إلى الصّفِّ أسْرَعَتِ الْمعلّمةُ إلَيْهِ وشَدّتْهُ بَيْنَ ذِراعَيْها وبدأت تُقَبّلُهُ مُبتَسِمَةً لَهُ قائلةً: أهلاً وسهلاً بِكَ يا جوجو، نَوَّرْتَنا!أهلاً فيكَ وبِكُلِّ الطُّلّاب، أُنظُرْ إلى عُيونِهِم الْمُشتاقَه لَكَ!

ثًمَّ ناوَلَ جوجو الْهديّةَ للمعلّمةِ وكيسَ الْحُلوَياتِ، فشكرَتْهُ الْمعلّمةُ وقَبّلّتْهُ، وطلَبتْ مِنهُ تَوْزيعَ الْحَلوى على الطُّلّابِ. ثُمَّ قامت الْمعلّمةُ وقَصّتْ بِطاقاتٍ مِنَ الْكرتون على شَكْلِ قُلوبٍ، وكتَبَتْ عليْها -أنا أُحِبُّكَ مع إسمِ الطّالبِ، وعَلّقتْ الْبِطاقةَ على صَدْرِ كُلِّ واحدٍ مع قُبلَةٍ طَبَعَتها على خَدِّهِ وقالت: أنتُم أوْلادي وأنا أُمُّكُم وأُحِبُّكُم كثيراً يا حِلوين، وسأزورُ كُلَّ واحِدٍ مِنكُم في بَيْتِهِ، فَنحنُ عائلةٌواحدةٌ أصحابٌ وأحباب.

شكرَ الطُّلّابُ الْمعلّمةَ على محبّتِها لَهُم، ثًمَّ وَقَفَ جوجو أمامَ الطُّلّابِ وقالَ: أنا أُحبُّكِ مُعلّمتي وأحبُّ الطُّلّابَ، وأنا أشعُرُ أنَّ هذا بَيْتي الثّاني وأنّكِ أنتِ أُمّي الثّانِيَه، ولَم أعُد أشعُر بِخَوْفٍ بَلْ صِرْتُ أُحِبُّ الْمدرسةَ حُبّاً قَوِيّاً، وأُعاهِدُ نفسي وأعاهدُكُم بأنّي سَوْفَ لا أغيبُ بَعد. يتبع القصة قصيدة نحنا الشاطرين بقلم: الشاعرة والكاتبة اسماء طنوس المكر

قصيدة للصف الأول: نحنا الشّاطرين بقلم: أسماء طنوس – المكر

نِحنا الشاطرين
نحنا الحلويـن
جاييـن نـــتعـــلّـم
ومِـش خايفين
------
صَـف جديـد
وفَـرَح جديــد
فَرْحِتنـا كبيره
مِثـل العـيـــد
------
ثـيـاب جـداد
وكُتُـب جـــداد
الصَّـف الأول
أحــــلـى اولاد
------
جاييـن نتعلـم
أَلِـــــــف بـــــــــاء
نِقْـــــرَا ونفـهــــم
دونَ بُـكــــــاء
------
ونكـتـب دار
ونكـتـب دور
ونرسـم بيـت
حَوْلُـه زهـور
------
وِنعِـدّ للعشــرَه
في الحـسـاب
نجمع ونطرح
يـــــا أحـبـــــــاب
------
المكر

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان.

مقالات متعلقة