الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 12:02

أعتذر ....أنا آسف/ بقلم: ماهر جعوان

ماهر جعوان
نُشر: 08/08/19 07:42,  حُتلن: 08:06

النضج والنقاء والطهارة والعفة والتسامح والتسامي

مفاتيح تقفل بها أفواه وتفتح بها قلوب وتنير بها عقول

فهنيئاً لقلوبٍ من سلامة صدرها لا تحمل إلا الخير للناس

قال الفضيل بن عياض: من أوتي صدراً سليماً لإخوانه فقد تعجّل شيئًا من نعيم الجنة
(ونزعنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخوانا على سرر متقابلين)

وسُئلَ أحمَد بِن حَنبل: كَيف السَّبيل إلى السَّلامة مِن النَّاس؟

فأجَاب : تُعطيهِم ولا تَأخُذ مِنهُم، ويؤذُونَك ولا تُؤذِيهِم، وتَقضي مَصالحهُم ولا تُكلفُهم بِقضَاء مَصالِحك...

قِيل له: إنَّها صَعبةٌ يا إمام؟ قَال: وليتَك تَسلم !

هنيئاً لأصحاب الفطرة السوية التي يختص بها الله من يحب

فطرة تتسامى على الصغائر وتعمل لهداية البشر فتغفر الإساءة ولا تنتظر جزاء ولا شكورا

استعملهم ربهم لقضاء الحوائج وفك الكرب وتيسير المعسر والعفو عن المسيء

هنيئاً لعين ترى الأجمل وقلب يغفر الأسوأ وعقل يفكر بالأفضل وروح حلوة السجايا

هنيئا للإلف المألوف الذي يكسب القلوب والعقول ولو خسر بعض المواقف

هنيئا لأصاحب القلوب الرقيقة الرحيمة الذين هم أهل الجنة

قال ﷺ: (وأهل الجنة ثلاثة:...ورجل رقيق القلب لكل ذي قربي ومسلم) مسلم

هنيئا لأصحاب العز والفخر يوم القيامة قال ﷺ: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) مسلم.

هنيئا لأهل التقوى والمغفرة فأكثر الناس عفواً وصفحاً أشدهم تقوى لله (وأن تعفوا أقرب للتقوى ((وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)

يقول الإمام بن القيم في تهذيب المدارج:

(من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقًا كانت أو باطلًا، وتكل سريرته إلى الله).

ويقول د/ مصطفى محمود: إذا جاءك المهموم أنصت، وإذا جاءك المعتذر اصفح وإذا قصدك المحتاجُ أنفق؛ ليس المطلوب أن يكون في جيبك مصحف ولكن المطلوب أن تكون في أخلاقك آية .

قال ابن حبان في روضة العقلاء ونزهة الفضلاء:

(فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى، أو لتقصير سبق، أن يقبل عذره ويجعله كمن لم يذنب؛ لأن من تنصل إليه فلم يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المصطفى ﷺ ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عليه الاعتذار في تقصيره إلى أخيه.
إذا اعتذر الصديق إليك يوما.......من التقصير عذر أخ مقر
فصنه عن جفائك واعف عنه......فإن الصفح شيمة كل حر) .

ولنا فيه ﷺ الأسوة الحسنة في قبول اعتذار المعتذر, فكان لا يرد معتذرا ففي موقفه مع حادثة قتل ابنته زينب رضي الله عنها خير دليل على سعة عفوه وعظيم نفسه, فعند هجرتها دفعها هبار بن الأسود, وهي حبلى فسقطت من فوق بعيرها فأسقطت جنينها ولا زالت مريضة بعدها حتى لقيت ربها

ويأتي هبار إلى رسول الله ويعتذر إليه بعد الفتح فقال: السلام عليك يا نبي الله أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, ولقد هربت منك في البلاد وأردت اللحاق بالأعاجم ثم ذكرت عائدتك وصلتك وصفحك عمن جهل عليك, وكنا يا نبي الله أهل شرك فهدانا الله بك وأنقذنا من الهلكة فاصفح عن جهلي وعما كان يبلغك عني فإني مقر بسوء فعلي معترف بذنبي, فقال ﷺ: (قد عفوت عنك وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام والإسلام يجب ما قبله ((

وكذلك موقفه ﷺ من مشركي مكة يوم الفتح, ومواقف اعتذار صحابته لبعضهم البعض كما حدث بين بلال وأبي ذر رضي الله عنهما, وكعفو أبي بكر عن مسطح, فهلا تأسينا بهم؟!.

والمسلم يقبل توبةَ المسيء، وطلبه للصفح والعفو، ولو غلب على ظنه عدم صدقه في اعتذاره.
قال ابن حبان: "لا يخلو المعتذر في اعتذاره من أحد رجلين: إما أن يكون صادقاً في اعتذاره أو كاذباً، فإن كان صادقاً فقد استحق العفو؛ لأن شر الناس من لم يقل العثرات ولا يستر الزلات، وإن كان كاذباً فالواجب على المرء أن يشكر له الإحسان المحدث الذي جاء به في اعتذاره""روضة العقلاء"

وينبغي على المُعتذر إليه أن يقبل الاعتذار العملي ولا يشترط اللفظي, فكثير من الناس من لا يمتلك القدرة على التلفظ بالاعتذار, ولكنه يأتي بأفعال ليس لها إلا معنى الاعتذار الضمني, فيبغي قبول ذلك منه ومعاونته على نفسه كي لا يغلبه شيطانه ويفسده بعد أن سار في طريق الإصلاح.

قال الحافـظ ابن الجوزي: (ما يزال التغافلُ عن الزلات، من أرقى شيم الڪرام، فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء فإن اهتم المرء بڪل زلة، وخطيئة: تعب وأتعب غيره، والعاقل الذكي من لا يدقق في ڪل صغيرة وڪبيرة مع أهله وأحبابه وأصحابه وجيرانه). 

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة